قرأت في إحدى المجلات الثقافية قصة موجهة للأطفال، وقد كانت تتحدث عن قصة سيدنا سليمان عندما كان جالساً على الشاطئ وجاءت نملة تحمل حبة القمح، فتعجبت من القصة وأردت التأكد من صحتها، فما صحة قصة النملة وحبة القمح مع سيدنا سليمان؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حيّاكم الله -تعالى-، وزادكم حرصاً على اتّباع وتحرِّي السنَّة الصحيحة، أمّا بالنسبة لقصة سيدنا سليمان بن داود -عليهما السلام- مع النملة وحبَّة القمح المذكورة في السؤال؛ فقد وَقَفت على قصّتين، وكلاهما غير صحيحة لا تثبت وليست موجودة في كتب السنَّة المعتمدة.
عندما رأى سيدنا سليمان -عليه السلام- نملةً تحمل حبةَ قمحٍ، وتسير نحو البحر، وكان يحملها ضفدعٌ في فمه، وينزل بها داخل البحر؛ لتطعم دودةً عمياء في صخرة في عمق البحر.
وعندما خرجت النملة، تعجَّب سليمان -عليه السلام- من فِعلها، فسأل النملة، فأخبرته القصة وجرى بينهما حوارٌ حول ما تقوله الدودة...، والقصة أطول من ذلك وهذا مُلخَّصها، وهذه القصة غير صحيحة وغير موجودة في الكتب المُعتمدة التي يؤخذ منها الرواية.
قال سليمان -عليه السلام- لنملةٍ: كم رزقك في كلِّ سنة، فقالت: حبّة حنطة، فحبسها في قارورةٍ وجعل عندها حبّة حنطة، فلمّا مضت السنة فتح القارورة، فوجدها قد أكلت نصف الحبّة، فسألها عن ذلك، فقالت: كان اتّكالي على الله قبل الحبس، وكان اتّكالي عليك بعد الحبس، فخشيت أن تنساني؛ فادّخرت النصف إلى العام الآتي. "نزهة المجالس ومنتخب النفائس"
وهذه القصة الثانية أيضاً لا تصحّ، وليست موجودةً في كتب الرواية، وإنما رُويت في كتاب "نزهة المجالس"، وهذا الكتاب كتاب أدبي فيه قصص كثيرة غير صحيحة.
وإنما تُذكر القصص في الكتاب لإيصال الفوائد والأخلاق بطريقة بسيطة؛ لأخذ العبرة والعظة، ولا يعدّ من كتب رواية الأحاديث المُعتمدة التي يُؤخذ منها العلم، وقد ذكر بعض العلماء المعاصرين أنَّ القصة لا تثبت وغير صحيحة، وغير موجودة في الكتب المعتبرة.
وننوه إلى أنَّ غالب الروايات والقصص التي تذكر الحوادث والحكايات بين سيدنا سليمان النبي -عليه السلام- والنمل هي قصص غير صحيحة لا تثبت، وإنما تُذكر في كتب الوعظ والأدب وفي مجالس الناس، وتجري على ألسنتهم.
ولعلّ اختصاص سيدنا سليمان -عليه السلام- بمثل هذه الحكايات سببه ما قصَّ علينا القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ *فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا). "النمل: 18-19"
والله -تعالى- قد علَّم سيدنا سليمان -عليه السلام- لغة الحيوانات، ومنطق الطير، والجن ومحادثتهم، ومنها قصّته مع النملة، لذا تجد أغلب هذه القصص تدور حول الرزق والتوكّل، وتناسب احتياجات الناس، وكذلك تناسب الأطفال لتربيتهم على القيم والمبادئ الحسنة.
وننبّه أنَّ كُتّاب القصص ومُعدِّي البرامج عليهم أن يتأكدوا من صِحَّة القصص التي يعدُّونها للناس أو للأطفال، وعلى أقل تقدير يذكرونها بصيغة "يُحكى" ولا يذكروا اسم النبي سليمان -عليه السلام- أو غيره من الأنبياء والصالحين، وإنَّما يجعلونها مثلاً: يُحكى أنَّ رجلاً... بهذه الصيغة فهو أفضل وأكمل وأصحُّ علماً؛ حتى يُنقل العلم، والقيم والأدب للأطفال بطريقةٍ صحيحة.