كنت البارحة أقرأ وردي من القرآن، وعندما وصلت إلى سورة ص، قرأت عن قصة سيدنا سليمان مع الصافنات الجياد وأنه قام بذبحبها، ولكني لم أفهم لماذا فعل هذا، فلماذا ذبح سيدنا سليمان الصافنات الجياد؟
حياكم الله وبارك فيكم، وثبتكم على تلاوة القرآن آناء الليلِ وأطرافِ النهار، وأعانكم على فهمه وتدبّر آياته، والاتّعاظ والاعتبار من قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
وأمّا عن قصة سيدنا سليمان -عليه السلام- مع الصافنات الجياد، فقد قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: ( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ* إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ* فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ* رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ* وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ* قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ* فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ* وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ* هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ* وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ). "سورة ص:30-40"
جاء في كتب السّير والتفسير أنّ سيدنا سليمان -عليه السلام- كان يحب الخيل كثيراً، وكان يجلس ليشاهد عروض الصافنات الجياد في وقت العصرإلى غروب الشمس، وفي يومٍ جلس في وقت العصر ليشاهد عرض الصافنات الجياد، فانشغل بجمالها حتّى غربت الشمس، وفاتته صلاة العصر؛ فغضب سيدنا سليمان -عليه الصلاة والسلام- على انشغاله بها عن الصلاة، فأمر بذبحها.
مع أنّه لم يترك صلاة العصرعمداً وإنّما سهواً، لكن هذه قلوب الأنبياء، وهذا إيمانهم، لا تلهيهم أمور دنيوية عن ذكر الله، وحتّى إن حدث ذلك سهواً فإنهم يتوبون من فورهم، فقد كان سيدنا سليمان عابداً لله، ذاكراً له، مُحافظاً على صلاته، وهذا هو دأب الأنبياء -عليهم السلام-.
وقد قال ابن كثير في تفسيره: "أمر أن ترد عليه لأجل أن يقضي عليها غضبًا لله وعقابًا لنفسه التي انشغلت بها عن طاعة الله، وأنه طفق فيها مسحاً بالسوق والأعناق، ضربًا بالسيف، وعقرًا في سيقانها وأعناقها، وهكذا ضرب مواضع الحسن فيها، فكأنه قال: لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك، ثم أمر بها فعقرت، ضرب أعناقها، وعراقيبها بالسيوف".
فقد ورث سيدنا سليمان من أبيه داود -عليه السلام- المُلك والنّبوة، فقد كان مُلكاً عظيماً، ومع ذلك كان نبياً كريماً -صلى الله عليه وسلم- وكان يحب أن يشاهد عروض الخيل دائماً، وكانت الصافنات الجياد هي الخيل المفضلة بالنسبة له؛ لأنّها تمتاز بالجمال والسرعة والشموخ، وهي الخيل التي تقف على ثلاثِ قوائمٍ مع طرف حافر الرابعة.
وكانت عروض الصافنات الجياد تأخذ الكثير من وقته؛ في إعدادها وتدريبها تدريباً عسكرياً لائقاً؛، وجاء في الحديث المتفق عليه أن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: (الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة). "أخرجه البخاري" فليس غريباً أمر انشغاله الطويل بها، وحبّه الشديد لها ولكنّ الغريب والصّعب، هو تضحيته بها في سبيل الله؛ بسبب أنّها شغلته عن الصلاة، فما أعظم وما أقوى إيمان ونفوس الأنبياء -عليهم الصّلاة والسلام-.