عندما أقرأ أغلب الأحاديث الشريفة أجد أن راويها هو الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، وعندما بحثت عنه وجدت أنه كان أكثر الصحابة رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكم عدد الأحاديث التي رواها أبو هريرة؟
أهلاً ومرحباً بك السائل الكريم، بارك الله فيك على هذا السؤال، وعلى اهتمامك بقراءة الأحاديث الشريفة وتعلُّمها، وجزاك الله كلَّ خيرٍ، وجعل ذلك كلَّه في ميزانِ حسناتك، واعلم السائل الكريم أنَّه وبالرغمِ من قصر مدةِ صحبةِ أبي هريرة لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلَّا أنَّه بالفعلِ كان من أكثر الصحابةِ روايةً للحديث عن النبيِّ [١] .
ويبلغ عدد الأحاديث التي رواها الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه-: خمسةُ آلافٍ وثلاثمئةٍ وثلاثة وسبعين حديثًا [٢] ، وهذه الأحاديث؛ منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيفٌ، ومنها ما هو موضوعٌ، ومنها ما هو منكرٌ؛ إذ إنَّ بعض هذه الأحاديث قد نُسبت إلى أبي هريرة -رضيَ الله عنه- كذباً وتلفيقاً.
وبالنسبةِ للأسباب التي جعلت أبا هريرةَ -رضي الله عنه- من أكثر الصحابةِ روايةً للحديث الشريفِ، فهي كثيرة، وفيما يأتي ذكر بعضها:
إن أبا هريرة -رضيَ الله عنه- بالرغمِ من أنَّه صحب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقط أربع سنواتٍ، إلَّا أنَّه خلال هذه المدة كان حريصاً على ملازمته في جميع أحواله، وثبت ذلك في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
(يقولونَ: إنَّ أبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ، واللَّهُ المَوْعِدُ، ويقولونَ: ما لِلْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ لا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أحَادِيثِهِ؟ وإنَّ إخْوَتي مِنَ المُهَاجِرِينَ كانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بالأسْوَاقِ، وإنَّ إخْوَتي مِنَ الأنْصَارِ كانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أمْوَالِهِمْ، وكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، ألْزَمُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى مِلْءِ بَطْنِي، فأحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ).
ويدلُّ على ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَوْمًا: لَنْ يَبْسُطَ أحَدٌ مِنكُم ثَوْبَهُ حتَّى أقْضِيَ مَقالتي هذِه، ثُمَّ يَجْمَعَهُ إلى صَدْرِهِ، فَيَنْسَى مِن مَقالتي شيئًا أبَدًا. فَبَسَطْتُ نَمِرَةً ليسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا، حتَّى قَضَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَقالَتَهُ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إلى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بالحَقِّ، ما نَسِيتُ مِن مَقالتِهِ تِلكَ إلى يَومِي هذا).
كان أبو هريرة -رضي الله عنه- شديد الحفظِ، وكان جاداً نشيطاً مجتهداً في طلبِ العلمِ، ولا سيّما في طلب الحديث النبوي، كما عُرف عنه الجرأة في ذلك.
وقد عمّر فيها، وكان النَّاس يأتونَ إلى مسجد النبيِّ ويحرصون على لقائه، والسماعَ منه، وكلّ مَن سمعَ منه كان يُحدِّث عنه، وينقل تلكَ الأحاديث النبويّةِ إلى غيرهم من المسلمينَ.