السلام عليكم، إذا قمت بصلاة الوتر بعد صلاة العشاء وقبل أن أنام، ثم استيقظت في منتصف الليل، فهل يجوز أن أقوم الليل؟ وهل أستطيع أن أصلي صلاة قيام الليل بعد الوتر؟
وعليكم السلام ورحمة الله، زادكم الله من بركاته، وثبّتكم على هذه العبادة العظيمة، يجوز لك أيها السائل قيام الليل بعد الوتر، فإذا وقع بعد صلاة الوتر صلاة نافلةٍ، أو قيامٍ، أو سنة مسجدٍ، أو طوافٍ، أو ركعتي وضوءٍ، أو نحوه، لم ينقض الوتر بذلك وهي باقيةٌ اختتمت بها الصلوات، وجاز ذلك ولا تجب إعادتها، فهي تُصلّى مرةً واحدةً في الليلة.
والدليل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم، من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت عن وتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ ما يُسَلِّمُ وَهو قَاعِدٌ)، أي أنه كان بعد صلاة الوتر يصلي ركعتين وهو جالس.
وثبت في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْراً)، فاستدلّ العلماء من هذا الحديث على أن صلاة الوتر آخر ما يكون من صلاة القيام، سواءً أكان هذا في أول الليل، أو أوسطه، أو آخره، فسنّة النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا أن يتهجّد بما يشاء ثم يختمها بركعة الوتر.
ويجدر بالذكر أنّ قيام الليل كان فرضاً على المسلمين في البداية، فلبث المسلمون على هذا الحال عاماً كاملاً، حتى جاء التخفيف في أواخر سورة المزمل، فأصبح تطوعاً.
وقد ثبت في صحيح مسلم، صفة صلاة القيام كما كان يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتقول عائشة -رضي الله عنها-: (كُنَّا نُعِدُّ له سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ ما شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ، وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا في الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فيُصَلِّ التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيماً يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ ما يُسَلِّمُ وَهو قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يا بُنَيَّ، فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بسَبْعٍ، وَصَنَعَ في الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأوَّلِ، فَتِلْكَ تِسْعٌ يا بُنَيَّ، وَكانَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- إذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكانَ إذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ، أَوْ وَجَعٌ عن قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعة).