عمي يملك مزرعة خيول، وقبل مدة شارف أحدها على الموت، فقام عمي بذبحه قبل أن يموت وقام بطبخ لحمه لنا، ولكنني سمعت مرة بأن الفقهاء حرموا أكله، أو ربما هناك مذهب معين أحله، وربما هو المذهب المالكي، فهل حلال أكل لحم الحصان في المذهب المالكي؟
حيّاك الله الأخ السائل، لقد تعدّدت آراء العلماء في حكم أكل لحم الخيل، فذهب جمهور الفقهاء منهم الشافعية، والحنابلة، وقول أبي يوسف، ومحمد من الحنفية إلى جواز أكله؛ فعن أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنهما- قالت: (نَحَرْنَا علَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرَسًا فأكَلْنَاه). "أخرجه البخاري"
وأمّا مذهب المالكية فعندهم ثلاثة أقوال:
لأنّ الخيل آلة الجهاد، ووفرة الخيل فيه إرهاب للعدو، وفي أكلها تقليل لآلة الجهاد؛ قال الله -تعالى-: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾. "سورة الأنفال: 60"
وهو القول المعتمد في المذهب، كما نصّ عليه الإمام الدردير في كتابه: "بلغة السالك لأقرب المسالك"، وقد استدلوا على ذلك أنّ الله -تعالى- امتنَّ علينا بجعل الخيول للركوب والزينة؛ قال الله -تعالى-: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾. "سورة النحل: 8" ولم يذكر الأكل، فلو كان الأكل جائزاً، لكان الامتنان به أولى.
واستدلّوا أيضاً بحديث عن خالد بن الوليد -رضي الله عنه- قال: (أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- نَهى عن أَكلِ لحومِ الخيلِ والبِغالِ والحميرِ)، "أخرجه أبو داوود، ضعيف" وقد اختلف المحدّثون في حكم هذا الحديث فبعضهم حسّنه وبعضهم ضعّفه.
وبناء على ما تقدَّم، فالمذهب المالكي فيه ثلاثة أقوال في حكم أكل لحم الخيل، والقول المعتمد عندهم بالتحريم، والمسألة قد تعددت فيها آراء الفقهاء، فمن أخذ بقول المجيزين فلا حرج عليه، ومن أخذ بقول المحرمين فلا حرج عليه، والله أعلم.