بدايةً رحم الله والدك وأسكنه فسيح جناته وألهمكم الصبر والسلوان، وجزاك الله خيراً لزيارتك لقبره، واصطحاب والدتك معك فهذا من برك بهم، فإنَّ زيارة القبور تذكِّر بالآخرة.
والجواب على سؤالك: إنَّ عالم البرزخ من الغيبِيَّات التي لا يعلمها إلَّا الله -عزَّ وجلَّ-، ولا يمكن الخوض فيها أو معرفة تفاصيلها إلَّا من خلال ما جاء في القرآن والسنة النبوية، وقد تعدَّدت الآراء في سماع الأموات للأحياء، ومنها:
- قيل إنَّ الميت لا يستطيع سماع الحي
لقول الله -تبارك وتعالى-: ( وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ). "سورة فاطر: 22"
- قيل إنّ الميّت يسمع الأحياء
ومما يدلُّ على ذلك ماورد في صحيح مسلم بالحديث الصحيح، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال -عن الميت-: (إنَّه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا)، وهذا الحديث يثبت إمكانية سماع الأموات للأحياء.
كما ورد من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-، وقد ضعَّفه بعض أهل العلم، أنّ النبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا، فسلم عليه، إلاَّ عرفه وردَّ عليه السلام)، فالميت يتعرَّف إلى من يزوره من الأحياء، ويردُّ عليهم السلام إن كان يعرفهم في الدنيا.
وقد قال ابن القيم -رحمه الله-: "والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأنَّ الميت يعرف زيارة الحيِّ له ويستبشر به"، "الروح، ص/5"، فالميت قد يعرف من يزوره.
ولهذا أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا مررنا بالمقابرأن نقول: (السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منَّا ومنكم والمستأخرين) وقد روى هذا الحديث أبو بردة الأسلمي وثبت متواتراً. "المحدث: الشوكاني، الكتاب: الفتح الرباني"
ومع أنَّ زيارة الميت تخفِّف عن الإنسان ألمَ الفِراق، إلاّ أنَّ ما ينفع الميَّت حقاً هو الدعاء له بالمغفرة والعتق من النار، فقد ورد في صحيح مسلم بالحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّه قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات الإنسانُ انقطَع عنه عملُهُ إلَّا مِن ثلاثةٍ: إلَّا مِن صَدَقةٍ جاريةٍ، وعِلمٍ يُنتَفَعُ به، وولَدٍ صالحٍ يَدعو له).
ويجدر التنبيه إلى الالتزام بآداب وضوابط زيارة المقابر ومنها:
- أن تكون الزيارة بقصد الاعتبار وتذكر الموت.
- أن يبتغي بها وجه الله -تعالى-.
- عدم رفع الصوت بالبكاء، والتزام السكينة والوقار.