كنت أقرأ في سورة الكهف يوم الجمعة، ووقفت عند الآية التي تتحدث عن أصحاب الرقيم، وأصابني الفضول لمعرفة من هم أصحاب الرقيم، فمن هم أصحاب الرقيم في سورة الكهف؟
أحييك أخي الكريم، وأسأله -تعالى- أن نكون من المعتبرين المتعظين بقصص الأولين من عباد الله وأوليائه الصالحين، قال -تعالى-: (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ نَبَأَهُم بِالحَقِّ) "سورة الكهف -آية: 13". وجواباً عن سؤالك فإنّ أصحاب الرقيم هم أصحاب الكهف، قال -تعالى- في كتابه: (أَم حَسِبتَ أَنَّ أَصحابَ الكَهفِ وَالرَّقيمِ كانوا مِن آياتِنا عَجَبًا). "سورة الكهف - آية: 9"
ما هي قصة أصحاب الرّقيم، وما هو الرقيم؟
كان في أرض الروم ملك يقال له: (دقيانوس)، كان يعبد الأصنام، ويذبح لها القربان، منحرفاً عن ديانة عيسى -عليه السلام-، وكان من شأنه قتل كل من خالفه من المؤمنين في كل قرية ينزل بها، حتى نزل دقيانوس مدينة الفتية أصحاب الرقيم، وقام بتتبع المؤمنين، وسوقهم للقتل والتعذيب، وتخييرهم بين الموت وبين عبادة الأصنام، فمنهم الثابت على الإيمان، ومنهم من يخاف العذاب فيطيعه في أمره.
وكان الملك يجبر الناس على الاجتماع في مجالسه وعبادة الأوثان، وهو ما دفع الفتية المؤمنين أصحاب الرقيم للبقاء متخفين عن حضور مجلس الملك، حتى كُشف أمرُهم، وقام شرطة الملك بإحضارهم للتحقق من خبرهم، وكانوا من أشراف المدينة فرأى الملك تأجيل قتلهم وإعطائهم فرصة التوبة.
ربط الله على قلوب الفتية، فقرروا الخروج من القرية والفرار بدينهم، قال -تعالى-: (وَإِذِ اعتَزَلتُموهُم وَما يَعبُدونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأووا إِلَى الكَهفِ يَنشُر لَكُم رَبُّكُم مِن رَحمَتِهِ وَيُهَيِّئ لَكُم مِن أَمرِكُم مِرفَقًا) "سورة الكهف - آية: 16". فكان قدر الله أن يجعلهم آية للناس، وضرب النوم على آذانهم ثلاثمئة وتسعة أعوام، وعجز الملك عن الوصول إليهم، وأراد بعض من يخفي إيمانه من أهل القرية أن يوصل للناس خبرهم فكتب قصّتهم في رقيم من حجر أو رصاص ووضعها على باب الغار.
بقيت أجساد وثياب أصحاب الكهف في رقادهم ثلاثمئة وتسعة سنين، يتقلبون في نومهم، تتجاوزهم الشمس كي لا تحرق أجسامهم، وثيابهم، فلما انقضى أجلهم، قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ)، "سورة الكهف: 19"، وبعد أن استيقظوا أحسّوا بالجوع؛ فبعثوا أحدهم يتزود لهم، قال -تعالى- على لسانهم: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف). "سورة الكهف: 19"
وعند خروج الشاب المذهول لاختلاف الدنيا وتغيرها عليه، كُشف أمره فاقتيد إلى الملك، ويقال أن اسمه: (تيدوسيس)، وكان مؤمناً على دين عيسى -عليه السلام-، فصدق بتلك الآية التي أطلع الله عليها أهل ذلك الزمان وقدرة الله -تعالى- على بعث الموتى، (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ)، "سورة الكهف: 17" (وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها)، "سورة الكهف: 21"