أهلاً ومرحباً بك، ونسأل الله لنا ولك الثبات. تتلخص محنة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- في الفتنة التي وقعت في زمنه؛ والتي تتعلق -كما ذكرت- بمسألة خلق القرآن الكريم؛ حيث افتتن الحكام والولاة في ذلك الزمان ببعض العقائد الباطلة؛ التي بثتها عدد من الفرق الضالة، فقالوا بأن القرآن الكريم خلق من خلق الله -تعالى-، وفعل من أفعاله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وكان أول الولاة فتنة المأمون؛ والذي جمع العلماء والفقهاء، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-؛ ليختبرهم في هذه المسألة وغيرها من المسائل الأخرى، فلم يثبت في هذه المحنة سوى الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح -رحمهما الله-؛ فلم يقولا مثل ما قال الناس، ولا مثل ما اعترف بعض العلماء خوفاً من التعذيب والقتل، والعزل وقطع الأرزاق.
وقد سجن الإمام أحمد وطالت محنته بدءاً من خلافة المأمون؛ ومن ثم تولي المعتصم، ومن بعده الواثق؛ فعذب، وضرب بالسوط، وأقيمت له مجالس المناظرة مع علماء السوء، وقد بقي ثابتاً على موقفه طوال هذه السنين؛ معترفاً بأن القرآن الكريم صفة من صفاته -سبحانه-، حتى أخلي سبيله زمن المعتصم بعد طول التعذيب والجلد.
وبعدما تسلم الواثق الإمامة أمر بنفي الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- من بغداد؛ فترك الإمام حضور الجماعة، ومجالس الفتوى والحديث، كما غاب مدة هدأت فيها الأوضاع، وقل الطلب عليه؛ حتى هلك الواثق وتسلم من بعده المتوكل؛ الذي نصر السنة، ورفع البدعة، مما جعل الإمام أحمد -رحمه الله- يعود إلى بغداد.