أقرأ دائما عن أن الإسلام ينتشر انتشاراً كبيراً، وأن هناك العديد من الدول الإسلامية في يومنا الحاضر، ولكني كنت أفكر كيف كانت بداية نشأة الدول الإسلامية، وهل كانت البداية في عهد الصحابة أم في عهد الرسول؟ وما هي أول دولة إسلامية؟
حياكم الله أخي الكريم، ونسأل الله أن يزيدكم علماً ومعرفة. إن الدولة الإسلامية الأولى هي الدولة التي أنشأها النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة بعد الهجرة، وقد بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة ببناء ثلاثة ركائز للدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وهي كما يأتي:
فقد أصدر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أول وصوله إلى المدينة ببناء المسجد، وساهم بنفسه في العمل مع المهاجرين والأنصار، وهذا يدل على أهمية المسجد في الإسلام ودور رسالته في بناء الأساس الديني والروحي والقِيَمي الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي.
ولم يكن المسجد مركزا روحياً لأداء الشعائر والعبادات فحسب، بل قد جعل منه النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤسسة عسكرية وسياسية يتشاور فيها المسلمون، ويُحدد فيها علاقات الدولة الإسلامية مع القبائل والدول الأخرى، ومدرسة علمية تربوية يتعلم فيها الصحابة أحكام دينهم، ويتربّون على معاني الإسلام وأخلاقه وقِيَمه.
وهي تمثّل أول دستور إسلامي يُحدد فيها علاقات المجتمع الإسلامي بمختلف أعراقه؛ فقد كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- في بداية قدومه المدينة كتاباً يُحدد فيها علاقة المجتمع الإسلامي ببعضهم وعلاقتهم مع أصحاب الديانات الأخرى الذين عاشوا في المدينة كاليهود.
وجاء في بداية صحيفة المدينة: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس"، وللاستزادة في نصوص الصحيفة يُراجع كتاب (السيرة النبوية لابن هشام).
وإصدار صحيفة المدينة قد مثّل تطوراً في مفاهيم علم الاجتماع السياسي؛ فقد قامت الدولة الإسلامية على نظام لم تعرفه القبائل العربية من قبل، فقد انصهرت قبيلتي الأوس والخزرج مع المهاجرين القادمين من مكة المكرمة في أمة واحدة، ومن ثم ترابطت هذه الأمة المسلمة مع اليهود الذين شاركوهم في حياتهم اليومية.
وأصبحت العلاقات أكثر تنظيماً، وظهرت بعض المبادئ والمفاهيم التي تأسّس عليها النظام السياسي الإسلامي؛ كمفهوم الأمة الواحدة، ومفهوم التكافل والتضامن الاجتماعي، ومفهوم العدل والمساواة، ومفهوم التعايش السلمي مع أصحاب الديانات الأخرى.
وهو يمثل بناء نظام اجتماعي للمجتمع الإسلامي الذي يعيش فيه المسلمون باختلاف أصولهم من المهاجرين والأنصار؛ فقد شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- نظام المؤاخاة والمشاركة بين المهاجرين القادمين من مكة المكرمة والأنصار أهل المدينة المنورة.
وآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين كل اثنين من المهاجرين والأنصار، ففتح الأنصار دُورهم وأموالهم لإخوانهم المهاجرين، وآثروهم على أنفسهم، ويعتبر نظام المؤاخاة نموذجاً رائدا في النظام الاجتماعي الإسلامي، حيث ضرب المجتمع الإسلامي الأول مثالاً على أشد أشكال العلاقات الاجتماعية وحدة ومحبة وتآلف.
وأما إعلان الجهاد في سبيل الله فقد تأخر إلى السنة الثانية للهجرة، والحكمة في تأخر ذلك؛ حتى تكون الدولة الإسلامية قد تأسست على بناء قوي من قوة العقيدة والقيم والأخلاق، وسيادة النظام السياسي، ومتانة العلاقات الاجتماعية، وقد جاء الإذن بالجهاد تدريجياً؛ حتى يراعي حال المجتمع المسلم، وقدرة الدولة الإسلامية على مواجهة القبائل والدول الأخرى:
وقد سعت الدولة الإسلامية الأولى لنشر الدعوة الإسلامية عن طريق الجهاد تارة، وإرسال البعثات التعليمية إلى القبائل تارة أخرى، وبعد فتح مكة فرضت الدولة الإسلامية احترامها على القبائل العربية، فأذعن العرب لعظمة الدين الإسلامي وقوة الدولة الإسلامية، ودخلوا في الإسلام في السنة التاسعة للهجرة (عام الوفود)، وبذلك امتدت الدولة الإسلامية الأولى حتى شملت الجزيرة العربية بأسرها.