سمعت بأن انشغال خلفاء الدولة الأيوبية في الصراعات الداخلية على الحكم والسلطان، كان سببًا لسقوط الدولة الأيوبية، فهل هذا صحيح؟ وما أسباب سقوط الدولة الأيوبية؟
حيّاكم الله السائل الكريم، وأهلاً وسهلاً بك، يُعد الصِّراع الداخلي هو أحد الأسباب التي أدّت إلى سقوط الدولة الأيوبية، ولكن يوجد أسبابٌ أخرى أدّت إلى سقوط الدولة الأيوبية، وهي كما يأتي:
ظهر الغرور لدى الأيوبيين بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي، فقد ترك دولةً مُكتملةَ الأركان، ولها نُفوذٌ واسعٌ، ومالٌ وفيرٌ، وخيرٌ كثيرٌ، وكانت دولةً كبيرةً تضمّ مُدناً عديدةً، فكان هذا سبباً من أسباب الغرور الذي أصابهم.
وقد أدى ذلك لتفكّك العائلة الأيوبية، وانشغل الأيوبيين عن الجهاد وقتال الصليبين، وتركوا الهدف الأسمى للدولة الأيوبية الذي أقام صلاح الدين الأيوبي هذه المملكة لأجله.
قام الحكام الأيوبيين بالركض وراء الحكم والسلطة، فاستمرت الخلافات والنزاعات على الحكم لمدة ستين عاماً من بعد وفاة صلاح الدين، ولم تكن هذه الانقسامات مجرد نزاعٍ سياسيٍّ هادئٍ، بل كان بينهم قتالٌ وإراقةٌ للدماء، بل وصل ببعضهم إلى الاتحاد مع العدو ضدّ المسلمين.
الحروب الداخلية التي نشبّت بين الأيوبيين كانت بمثابة الإيذان بنهاية الدولة الأيوبية وسقوطها، وبداية العهد المملوكي الجديد في بلاد مصر.
عندما وقعت البلاد تحت سيطرة السلطان توران شاة، قام بتضيع الحكم بجهله وعبثيّته وخُلُقه السيّء؛ فقد أخذه الغرور بعدما انتصر على مَلك فرنسا لُويس التاسع، وأنكر الجميل الذي أسداه له أقاربه وأمراء المماليك، فلم يحفظ ما فعلته زوجة أبيه شجرة الدر.
وذلك عندما تُوفّي والده وهو في دمشق فأخفتْ خبر الوفاة، وأرسلتْ إليه وهو في دمشق لكي يأتي ويستلّم السلطة، وأعانته في عدّة أمور، وما كان منه إلّا أن يتّهمََها بإخفاء مال أبيه، وأنكر ما قدّمه له فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، وبدأ يُخطّط لاستبعادهم، وتغيير نهج الحكم.
وبعدما رأت شجرة الدر استبداده ونواياه المُبطّنة لها خَشِيت على نفسها منه، واستطاعت بعد ذلك أن تتخلّص من توران شاه، بالتعاون مع فارس الدين أقطاي، وركن الدين بيبرس، وكان هو آخر حُكّام الدولة الأيوبية، فبعد وفاة توران شاه انتهى عصر الدولة الأيوبية في مِصر.
ولابد من الحديث عن نشأة الدولة الأيوبية، فقد في عام 569 هجري، على يد القائد صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله-، واستمرّ حكمه لعشرين عاماً، حتى توفاه الله -تعالى- سنة 589 هجري، وكان قيام الدولة الأيوبية على يده إشراقةٌ جليّةٌ في تاريخ الأمة الإسلامية، فترك تاريخاً عظيماً زاخراً بالإنجازات.
واستطاع صلاح الدين الأيوبي توحيد بلاد الشام ومصر، وقاد الجيوش لقتال الصليبيّين ومواجهة حملاتهم، وحقّق انتصاراتٍ عظيمةٍ، من أهمها معركة حطين، ودخوله لبيت المقدس فاتحاً مُنتصراً، ولمّا تُوفي صلاح الدين الأيوبي كانت الدولة الأيوبية ذات قوةٍ وسيطرةٍ، وكانت تضمّ مصر، والشام، واليمن، وبلاد الحجاز، وأجزاء من العراق، وتركيا، وليبيا.